الفساد هو نتيجة قصور في أداء مؤسسات إدارة الحكم في المجالين العام والخاص، وهو يضعف الجهود المبذولة للحد من الفقر وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وتعزيز التنمية البشرية وأمن الإنسان. وقد أصبح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بداية التسعينات أحد المنظمات السبّاقة إلى تطوير وتنفيذ برامج متخصصة لمعالجة الفساد وكبح عناصره. واليوم يواصل البرنامج دوره القيادي في تقديم المساعدة التقنية في مجال مكافحة الفساد، وذلك من ضمن حقيبة خدماته الخاصة بالحكم الديمقراطي وفي إطار ما جاءت به إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
يُعدّ انتشار الفساد في الدول العربية أحد أبرز تحديات إدارة الحكم مما يؤثّر سلباً على عمليات الإصلاح والتنمية فيها. فالبيانات والمعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة ما تزال نادرة، وثقة الناس بشكل عام في قدرة الدولة على التحرّك الفعال في مواجهتها ما تزال ضعيفة. ومع ذلك، فإنّ التطورات التي تحقّقت مؤخراً تنبئ بإمكانية التغيير والتطوير في هذا المجال، لا سيما في ضوء ما انتجته الإحتجاجات العارمة التي اجتاحت المنطقة من ضغط كبير باتجاه مكافحة الفساد الذي يعد من أهم أسباب الاستياء الشعبي. هذا وقد شهدت السنوات القليلة الأخيرة اتساعاً ملحوظاً في مساحات النقاش العام حول موضوع الفساد، ونمواً واضحاً في وتيرة الإنخراط الرسمي في مبادرات الإصلاح ذات الصلة. حتى تاريخه، هناك 16 بلد عربي أعلن عن التزامه بتنفيذ إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بعضها أصدر سلسلة من الإصلاحات القانونية الهادفة إلى الوقاية من الممارسات الفاسدة ومعاقبة مرتكبيها، وبعضها أنشأ هيئات متخصصة لمكافحة الفساد، ووضع استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد وبدأ بتنفيذه
لكن في المقابل، ما تزال هناك بعض الفجوات، على مستوى الأطر التنظيمية والقدرات التقنية، التي تحدّ من قدرة الجهات المعنية على التصدي الفعّال للفساد. مستويات الشفافية تتحسن باستمرار لكنها ما تزال منخفضة نسبياً، وآليات الرقابة الأساسية المختلفة ما تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير. أمّا التنفيذ الفعلي للأطر القانونية الموجودة يظلّ، إلى حد كبير، دون التوقعات. ويترافق ذلك مع ندرة الملاحقة القانونية في قضايا الفساد الكبرى. أمّا التعاون الدولي فما يزال يُعدّ بطيئاً ومعقّداً، فيما تواصل العقبات السياسية والهيكلية في تقليص فرص المشاركة الفعالة للجهات غير الحكومية في جهود مكافحة الفساد.
وقد عمل برنامج إدارة الحكم في الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، طوال ما يزيد على عقد من الزمن، مع الحكومات والبرلمانات والأجهزة القضائية والجهات غير الحكومية العربية لتعزيز الحكم الرشيد في المنطقة. ولم يبرز التركيز على موضوع مكافحة الفساد إلا في الفترة الممتدة بين سنتي 2003 و2004، وذلك في إطار مبادرة الإدارة الرشيدة لخدمة التنمية في البلدان العربية المشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ومنذ ذلك الحين، قام برنامج إدارة الحكم بدعم تحقيق عدد من النتائج الجيّدة التي ساعدت على زيادة حجم التعاون لمكافحة الفساد في المنطقة العربية، وخلقت فرصاً جديدة للقيام بالمزيد من الخطوات الإيجابية في هذا المجال. وسيعمل برنامج إدارة الحكم على توظيف هذه الإنجازات في إطار مشروعه الإقليمي الجديد في مجال مكافحة الفساد، لخدمة جهود البلدان العربية في مجال تعزيز الشفافية والنزاهة وتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وذلك بغية تدعيم ممارسات الحكم الرشيد وتعزيز التنمية البشرية وأمن الإنسان في المنطقة.